لقد أقفلت المدارس واقترضت الأموال وُحزمت الحقائب.. وأخيراً حجزت التذاكر..
هذا هو ديدننا نحن الخليجيون كل عام، إذا لا مفر من لهيب الصيف ورطوبته إلا بركوب الطائرة التي هبطت مطار إستانبول الدولي، وأمسك صاحبنا الشاب الخليجي عبدالله بيد عروسه ذات العشرين ربيعاً، والابتسامات لا تفارق العروسين الجدد، حتى انتهت إجراءات المطار وركبوا التاكسي إلي شوارع استانبول المزدحمة، فقالت عروسه «حبيبي أنت متأكد من حجز الفندق؟»، «أكيييد عمري» أجابها..
فنزلوا أمام الفندق.. دقائق وأصبحوا بوسط البهو والحقائب من خلفهم، فإذا بالمفاجأة الغير متوقعة!! الحجز قد تم بالفعل، لكن ليس بالسعر المطلوب! فهو لم يقرأ التسعيرة جيداً بموقع الإنترنت، فما كان منه إلا أن أمر العامل بإرجاع الحقائب إلي الرصيف كي يبحث عن فندق آخر، وبينما هو يحاور زوجته.. إذ ظهر أمامهما شاب يجيد العربية، وقال: عندي لكما اقتراح لن تجدونه في الجنة! عيون الزوج اتسعت وزوجته ابتسمت! «نعم قل ماعندك» سأله عبدالله، فأجابه: «عندنا فيلا بمنطقة خلابة.. يرتادها المصطافون الخليجيون، وبسعر أرخص، والمكان الأجمل لقضاء شهر العسل، «ألستم في شهر العسل؟» فأندهش عبدالله وأومأ برأسه بنعم، فسأله: «كم سعر الليلة»، فهمس في أذنه «لنكمل كلامنا خارج الفندق».
بتشجيع من التركي استقلوا الحافلة، وإنها فرصة لمشاهدة معالم المدينة العريقة، حيث ظل طول الطريق يمدح الفيلا وخدماتها، كالغرف والبانيو والمطبخ الراقي والحديقة. أما العروسين فمشغولان بتبادل الابتسامات طول الطريق، حتى توقفت الحافلة بوسط الأدغال، وإذا بعـربة حنطور تقف أمامهم، فركبوها حتى وصلوا أمام الفيلا.
كان في استقبالهم خادمة أربعينية وبصحبتها طفلة صغيرة،.. فأخذوا جولة بالفيلا حتى تم الأتفاق بسعر مغري ولخمسة أيام، فأقترح التركي أن يعود هو والعريس عبدالله فقط إلي الفندق لأخذ الحقائب، وأن يتركا العروس الخليجية في الفيلاً! «عبدالله! أخاف تتركني لوحدي» هي قالت، «روحي، أنت بمأمن، هذه الخادمة وأبنتها معك»، فتقبلت هي الأمر وركبا الحنطور ثم سيارة الأجرة حتى الفندق، وإذا بعبدالله يجد حقائبه في بهو الفندق وبدون حارس! فنظر حوله وإذا بالشاب التركي قد اختفى!
فخرج بسرعة إلي الشارع، وإذا بسيارة الأجرة قد أختفت أيضاً! بدأت ضربات قلبه تدق بسرعة والخوف خيّم عليه، فسحب الحقائب بنفسه إلي الشارع وتوقف يفكر كيف يضعهم في الحافلة، فأخذ تاكسي خاص، فسأله السائق عن وجهته، فلم يعرف إلي أين؟ «والوقت يمضي بسرعة» فأخذ يجوب شوارع استانبول بحثاً عن الفيلا المشئومة فتفاجأ بإن معظم الفلل متشابهة والمناطق السياحية بالعشرات!، فسأل سياح وشرطة وبعض المارة وأصبح كالمجنون الهائم!، لكن دون فائدة تذكر، فمضت خمس ساعات وتوجه إلي مركز الشرطة وبحثوا معه حتى الليل، وفي اليوم التالي توجه إلي سفارة بلاده باكياً، فتم التنسيق مع حكومة استانبول للبحث عنها، لكن دون فائدة، حتى أنقضى الأسبوعان ثم الثلاثة، وحضر بعض أقاربهما وشاركوا في البحث، ولم يجدوا الفتاة المسكينة، وعاد عبدالله إلي وطنه كالمجنون!
نعم أخي القارئ مازال البحث جارياً حتى كتابة هذا المقال وأصبحت هذه الفتاة مفقودة.